بأقلامهم

سميحة المناسترلي تكتب: خلل مجتمعي وتفكك دول وحكومات

 

عزيزي القارئ والمتابع الكريم، مع ما يحدث من متغيرات سريعة على الصعيد الإقليمي والعالمي، متضمناً ما نعانيه بمنطقتنا العربية بصفة خاصة من مواجهات وضغوط اقتصادية واستراتيجية وأيضا إعلامية، حيث يعلم الجميع أن الإعلام الممنهج الموجه للدول المراد السيطرة عليها أصبح من أقوى الأسلحة المؤثرة على وجدان الأفراد وفكر الشعوب، وسنوضح ذلك من خلال المقال .

لا ننكر أننا جميعا تأثرنا بقوة هذا السلاح الذي شارك ومهد تماما لسقوط دول عميقة، على مدار العقود الأخيرة سواء داخل المنطقة العربية مثل العراق وسوريا وغيرهما أوخارجها كالاتحاد السوفيتي، فلا تسقط الدول من خبر أو معلومة يوجهها الإعلام المغرض في ثواني أو دقائق معدودة أو حتى أشهر، ولكنها منظومة لها استراتيجية تعتمد على الصبر والدراسة لسنوات عديدة ومن أهم أدواتها : “الإلهاء -الترفيه السلبي- دس السم في العسل من خلال أخبار أو إعلانات – التسفيه من الأخبار الدامية والعكس – مواقع التواصل الاجتماعي ومضمون لإثارة الغرائز والشهوات – التخلي عن القيم” حتى تتمكن من إختراق وجدانك، ودراسة شخصية المجتمعات من خلال ردود الأفعال، ومكنون الشخصية المتابعة ونقاط ضعفها، هنا يكون المدخل الأسهل للسيطرة والتلاعب بها كيفما شاء العدو .

للأسف لا نستطيع اكتشاف الخلل داخل المجتمعات إلا بعد أن يتمكن الخلل من نسبة لافتة للأنظار، وهذا يحتاج لسنوات حتى يعترف باقي المجتمع من وجوده وجدية خطورته، وغالبا ما يكون ظهوره بين الفئات الأقل ثقافة والفئات العمرية الصغيرة، ليصبح الخلل مصاحباً له في مراحلهِ العمرية متأثراً بما تم زرعه ودمجه في تكوينه الشخصي .

مظاهر هذا الخلل تتضح بالمجتمعات عندما تتفشى بين شرائح الأطفال والمراهقين لغة التمرد والإستنكار، والإعتراض والتهكم ضد أي نظام قائم، سواء داخل الأسرة أو المدرسة، وأي كيان مستقر بنظام ثابت، وقد ينظر المجتمع إليهم كجيلٍ يطمح في التغيير، “وهنا تكمن الخطورة”، فإن لم يتم استعدال المسار الفكري فى حينهِ ستتعاظم الصعوبة في الإصلاح لاحقاً، وسيحدث الخلل الكارثي لأي مجتمع، بل للدولة المستهدفة بخطط التدمير الذاتي .

نعم حين يتمكن الخلل من اختراق مفاصل الدولة، فهنا مكمن الخطورة، لأن مع عدم اهتمامك بإصلاح الفرد الذى ترك كالتلميذِ النجيب تحت رحمة إعلام موجه من مواقعِ التواصل الاجتماعي، يجالسه كنديم السوء على مدار اليوم، فإن هذا -شريان الخلل- وكأننا سلمنا أبناءنا للشيطان الأعظم ليقوم على تربيته ورعايته، فيكبر ليدمر مجتمعه من خلال منصبه الوظيفي، سواء كان طبيب أو مهندس أو وزير غافل عن الإصلاح، أو عامل بسيط كاره رافض لكل من حوله، فنرى تراجع في الإهتمام بصحة المواطن، فساد بالمحليات، وتراجع ثقافي وتفشي للأمية الثقافية بربوع الدولة .

والأهم غياب الضمائر والأخلاقيات، غياب القدوة الصالحة داخل الأسر وفي الميديا، واسقاط متعمد لأي نماذج مشرفة أمام الأجيال الجديدة حتى يكونوا كالزرع الشيطاني فاقدين لمشاعر الرحمة، والسوكيات القويمة والبحث عن الخير، والعمل الإنساني البناء الذى يعمر المجتمعات، فيصبح مجتمع بلا دين وبلا وعي أو ضمير أو قدوة، ولا حتى نزعة انسانية، فتسود الأنانية ويعُم الجشع، وتتفشى الجرائم الوحشية والمخدرات، ويصبح مجتمع غير قادر على العمل أو الإنتاج، مجتمع يتراجع أمام تقدم باقي الدول، مجتمعٌ يحيا في ضعف متطرد يتآكل ويدمر نفسه ذاتياً، جاهز للإقتناص بأقل خسائر للعدو أو المستعمر الذى كان يهاب قوته سابقاً.

والحلول مطروحة أولا من خلال المجتمع نفسه وثانيا من خلال الجهات المسئولة عن المجتمعات، فعلى المجتمع أن يواجه نفسه وأخطائه كى تستقيم الأمور، ولن ننكر أن على جيل الآباء أن يعدلوا في سلوكياتهم .. نعم فهم المصدر الأساسي المسئول عن التفكك، والخلل الداخلى للأسرة خاصة وأن هناك فترة سقطت من حساباتنا وهي بداية اختراق القوة الناعمة من خلال إصدارت روائية وأفكار مغايرة لثقافتنا، ودراما ترفيهية – فقط- بعيدة عن غرس الإيجابيات والإنتماء بداخلنا، مما كان له أكبر الأثار السلبية على الأبناء .

هذا مع غياب الأب وجلوسه بالمقاهي بدلا من الإئتناس بالأبناء، فهو أمامهم أساس القدوة الخاطئة، نفس الشئ الأم سواء عاملة أو ربة منزل، الإنجاب مسئولية وأمانة فلا تتعاملا مع المنزل وبناء الأسرة (كعشة فراخ)، ان زرع أحترام الكبير بتربية الصغير واجب، والتحدث باحترام عن كل قدوة حولكم سواء من داخل الأسرة أو خارجها مطلوب بإلحاح، انتم مستفيدون منها مستقبلاً قبل أي أحد آخر، لا تستكثروا الأرزاق على الآخرين أمام الأبناء، فهناك من يقسمها، احترام الأديان والمعتقدات الأخري، وهنا يأتي دور رجال الدين ودور العبادة المختلفة، واحترام حرية الآخر شىء مقدس، وتثقيف الذات والنفس واجب وحق لكل انسان – فلا تستكثروه على أنفسكم – علموا الأبناء أن الوقت عمر، والعمر بناء وحصاد، فلا يجب هدره بالشوارع، أو على تفاهات التطبيقات العديدة (الشيطان الأعظم)، بل هناك تطبيقات ومواقع ترفع من شأن الانسان ومن فكره وعقله وتزيده علماًمستفاداً مستقبلاً، علموا أبناءكم أن القيمة بداخل البشر، وليست فيما يرتديه، أو يستخدمه، أو حتى في المنصب الكبير فهو زائل مع مرور الوقت .

علينا أن نبدأ بأنفسنا أولاً ولا نستهين بما نراه من أخطاء، فهي كلها مؤشرات لبدايات خلل عظيم، واجبنا إصلاحه بأنفسنا، ثانياً إصلاح الخلل المجتمعي من خلال مؤسسات الدولة، مثل إعلام وطني يمتلك استراتيجية تتبنى بها حملة لمحو الأمية الثقافية بربوع الدولة، على القوة الناعمة مجتمعة أن تقوم بمراجعة مسؤليتها ولتجنب ما أهملته، وما أخطأت في تقديره منذ البداية، لتفعيل رؤية اصلاحية للحفاظ على ما تمتلكه الدولة من ثروة بشرية وطاقات مهدرة، لتحويل تلك الطاقات إلى ثروة قومية تعود على الفرد والمجتمع والدولة بالخير والنفع الكثير.

أيها الأصدقاء إن الخلل الذي أصاب المجتمعات لم يصب شعوبنا نحن فقط، بل أنه يطال أمريكا وأوربا وغيرها من شعوب العالم .. الحل المطروح بشدة هو مواجهة النفس والتصالح معها، وسرعة الإعتراف بنقاط ضعفنا وعلاجها- أفراداً وحكومات – وأن لا يتفاقم الخلل- فالثمن باهظ هو “الحياة” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى