الشغب وتكسير المدارس في موسم الامتحانات

بقلم: محسن سمير
تتحول بعض المدارس خلال فترة الامتحانات إلى ساحات شغب وفوضى، وتظهر على السطح ظاهرة تكسير محتويات الفصول والمقاعد والنوافذ، والاعتداء على العاملين أحيانًا، في مشهد صادم لا يليق ببيئة تربوية يُفترض أنها منارة للعلم والانضباط. هذه الظاهرة لم تعد مجرد سلوك فردي، بل أصبحت متكررة ومُقلقة، وتستدعي تحليلًا عميقًا للأسباب والجذور، وأيضًا للنتائج والدور الذي يجب أن تلعبه الأسرة، والإعلام، والمجتمع، والمنظومة التعليمية ككل.
—
أولًا: الأسباب العميقة خلف الظاهرة
1. ضغط الامتحانات وتوتر الطلاب
تتسم فترة الامتحانات بحالة نفسية مضطربة لدى عدد كبير من الطلاب، حيث تتراكم الضغوط والخوف من الرسوب أو الفشل، وخاصة في ظل نظام تعليمي يربط بين الدرجة والمصير. ولأن بعض الطلاب يفتقرون إلى المهارات النفسية والاجتماعية للتعامل مع هذه الضغوط، فإنهم يفرغون توترهم في صورة عدوانية ضد المكان نفسه.
2. ثقافة الاعتماد على الغش
في السنوات الأخيرة، أصبحت ظاهرة الغش أشبه بالحق المكتسب لدى بعض الطلاب وأولياء الأمور، لا سيما في بعض المناطق. وعندما تفشل محاولات الغش – سواء التقليدي أو الإلكتروني – يظهر الغضب في صورة تخريب. وقد يحدث أن يتواطأ بعض أولياء الأمور أو يدفعون أموالًا لتسهيل الغش، وعندما لا يحدث ذلك، يصبح الطالب في حالة انهيار أو غضب أعمى.
3. الإعلام والدراما والإنترنت: القدوة المفقودة
للأسف، يستهلك بعض الطلاب محتوى إعلاميًا ومنصات تواصل اجتماعي تمجّد الشغب والتمرد والعنف كسلوك “بطولي” أو “ساخر”. تظهر فيديوهات على “تيك توك” و”فيسبوك” و”إنستغرام” لطلاب يحطمون المقاعد أو يلقون الكتب في الهواء، بل وأحيانًا يروّج لها كنوع من “المتعة” أو “التحرر”. هذه العدوى السلوكية تنتشر بسرعة بين المراهقين.
4. انعدام الانتماء وضعف الهوية المدرسية
عندما لا يشعر الطالب أن المدرسة تعبّر عنه أو تهتم به، أو أن ما يتلقاه من تعليم بعيد عن اهتماماته وحياته الواقعية، تختفي مشاعر الانتماء والمسؤولية. ويصبح تكسير المدرسة، في عقله الباطن، وسيلة للانتقام من “منظومة” لم تحترمه.
5. الفراغ القيمي والأسري
الكثير من الطلاب يعيشون داخل بيوتٍ يغيب عنها الحوار والرقابة، ويُترك الطالب دون توجيه أو قدوة، بينما يُسمح له بامتلاك هواتف غير مراقبة، ويُعطى مساحة حرية أكبر من وعيه. بعض أولياء الأمور لا يرون أي خطأ في الغش أو التخريب، بل يبررونه بأن “البلد كلها كده”، أو “الامتحانات صعبة والولد لازم ينجح”.
—
ثانيًا: أشكال التخريب في فترة الامتحانات
تكسير المقاعد والنوافذ عمداً بعد نهاية الامتحان، أو خلال الشغب.
تمزيق أوراق الامتحان احتجاجًا على صعوبتها.
الاعتداء اللفظي أو الجسدي على المراقبين أو الإداريين.
تصوير مشاهد التخريب وبثها على الإنترنت على سبيل السخرية أو كسب الإعجابات.
تشجيع الزملاء على إحداث الفوضى بدعوى التمرد الجماعي.
—
ثالثًا: آثار مدمرة على المدرسة والمجتمع
1. هدر مالي ضخم في إصلاح التلفيات التي تتكرر كل عام.
2. ترسيخ ثقافة الفوضى وعدم احترام المؤسسات.
3. إشاعة حالة من الخوف والتراجع لدى المعلمين والإداريين، مما يؤثر سلبًا على جودة التعليم.
4. فقدان الثقة بين المدرسة والبيت، وخاصة في المجتمعات المحلية الصغيرة.
5. تعطيل زملاء جادين يريدون التركيز والنجاح بجهدهم.
—
رابعًا: أين دور الإعلام والإنترنت؟
الإعلام الوطني للأسف أحيانًا يتجاهل هذه الظواهر أو يعالجها بسطحية، ولا يُقدم برامج جادة تتحدث عن الضغوط النفسية للطلاب، أو تطرح نماذج إيجابية.
بعض برامج “الساخرة” و”المهرجانات” و”الفيديوهات القصيرة” على الإنترنت تُشجع ضمنيًا على السخرية من التعليم أو التمرد دون هدف.
كثير من الطلاب يتلقون ثقافتهم الآن من “الترندات” لا من المعلمين أو الكتب.
لكن يمكن للإعلام أن يلعب دورًا إيجابيًا قويًا عبر:
بث مواد قصيرة ومؤثرة تُظهر أهمية احترام المدرسة.
تقديم قدوة شبابية ناجحة تُعلّم الطلاب أن التفوق لا يحتاج إلى غش.
مناقشة مواضيع مثل الغش والعنف المدرسي في الدراما بشكل واقعي وعميق.
—
خامسًا: ما الحل؟
1. ترسيخ ثقافة النزاهة
توعية الطلاب من خلال حملات داخل المدارس عن قيمة النجاح الحقيقي بلا غش، وإبراز النماذج التي نجحت بجهدها.
2. تأهيل نفسي وتربوي قبل الامتحانات
عقد لقاءات مع مختصين نفسيين للطلاب، خاصة في المراحل الحرجة مثل الثانوية العامة، لفهم كيف يديرون التوتر والقلق.
3. تفعيل العقوبات والانضباط
تطبيق القوانين بحزم ضد من يثبت تورطه في التخريب أو الغش، مع الحفاظ على حقوق الطالب القانونية والإنسانية.
4. التكامل بين المدرسة والأسرة والإعلام
لابد من وجود جسور تواصل حقيقية بين البيت والمدرسة، وفتح الإعلام لمنابر تُعطي صوتًا للمعلمين والتربويين، وليس فقط للمشاهير و”الترند”.
5. إعادة بناء صورة المدرسة كمكان حيوي لا سجن
المدرسة لا يجب أن تكون مكانًا يُفرض فيه الانضباط بالقوة فقط، بل مكانًا يشارك فيه الطالب في بناءه، عبر الأنشطة، والزينة، والمسابقات، والمشاركة في القرارات.
—
خاتمة
ظاهرة تكسير المدارس في فترة الامتحانات لا تنفصل عن أزمات أعمق في طريقة تربية أولادنا، وثقافة المجتمع، وشكل التعليم، والإعلام، وطريقة تعاملنا مع الضغوط. الحل لا يكون فقط في معاقبة الطالب بعد الكسر، بل في الإنصات لما كسره داخله أولًا. نحتاج إلى جهد مجتمعي صادق يعيد الهيبة للمدرسة، ويزرع في الطالب شعورًا بأن النجاح لا يُشترى، ولا يُنتزع بالغش أو العنف، بل يُبنى بالجدّ والاحترام والانتماء.