فنانون علي الطريق

قصة قصيرة .. “سر قارون”

بقلم : محسن سمير

كان سامي يجلس في محرابه الصغير، يتلو آيات الذكر الحكيم بصوته الندي. عندما وصل إلى قصة قارون وثروته الطائلة التي خسف الله بها الأرض، توقف سامي متأملاً. كيف امتلك هذا الرجل كل هذه الكنوز؟ لا بد أنه توصل إلى سر عظيم، ربما طريقة لتحويل التراب إلى ذهب! استحوذت الفكرة على عقل سامي تمامًا. ترك المصحف جانبًا وبدأ يبحث بشغف في الكتب القديمة والمخطوطات التي تتحدث عن الحضارات القديمة وأسرارها. قضى الليالي الطوال يقرأ وينقب، وسافر إلى أماكن بعيدة زار فيها المكتبات العتيقة والمواقع الأثرية، باحثًا عن أي دليل يقوده إلى سر قارون المفقود. بعد سنوات من البحث المضني والرحلات المرهقة، وبينما كان سامي يفحص بردية قديمة عثر عليها في أحد المقابر في الفيوم، لمعت عيناه. وجد رموزًا وكتابات تبدو مختلفة عن باقي النصوص. بعد تركيز شديد، استطاع فك شفرة هذه الرموز ليكتشف وصفًا دقيقًا لعملية تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب. في تلك اللحظة، انصب كل اهتمامه على فهم هذه العملية المعقدة، وتجاهل السطور الباهتة الأخرى الموجودة في نهاية البردية، ظنًا منه أنها غير مهمة.

لم يتمالك سامي فرحته، وبدأ على الفور في تجميع المكونات المطلوبة. بذل جهدًا كبيرًا ومالًا وفيرًا حتى حصل على كل ما ذُكر في الجزء الذي فهمه من البردية. وفي معمله المتواضع، بدأ التجربة. خلط المواد بالنسب المحددة وتلا التراتيل المكتوبة. شيئًا فشيئًا، رأى التراب يتحول إلى ذهب خالص أمام عينيه! كانت نشوة الانتصار تغمره. لقد فك لغزًا ظل غامضًا لآلاف السنين. بدأ سامي في إنتاج كميات كبيرة من الذهب، وسرعان ما تبدلت حياته رأسًا على عقب. أصبح ثريًا فاحش الثراء، يمتلك القصور والجواري والخدم. عاش حياة بذخ وترف لم يحلم بها قط. لكن، وبينما كان سامي يستمتع بثروته الجديدة، بدأ يشعر بشيء غريب. كان هناك إحساس خفي بالقلق والريبة يساوره. عاد إلى البردية التي وجد فيها السر، وبدأ يتفحصها مرة أخرى بدقة أكبر، هذه المرة قرر أن يقرأ كل كلمة فيها بتمعن. عندها، اكتشف السطور الصغيرة المكتوبة بخط دقيق جدًا في نهاية الوصفة، والتي تجاهلها في السابق.

بصعوبة بالغة، استطاع سامي قراءة الكلمات المكتوبة: “هذا السر هو قوة ملعونة، خص بها قارون وحده. من يصل إليه ويحصل على المجد والقوة بسببه، فسيضيع منه كل شيء.” تجمد الدم في عروق سامي. لقد فات الأوان! نظر حوله إلى قصره الفاخر، وإلى كل ما ظن أنه امتلكه. شعر ببرودة تسري في جسده وهو يتذكر الكلمات المشؤومة التي لم يعرها انتباهًا في البداية. ومرت الأيام، وبدأ كل شيء يتلاشى من بين يديه. ثروته، قوته، وحتى احترامه. أدرك سامي حينها فداحة خطئه. لقد سعى وراء قوة لم تكن من حقه، كما أدرك خطأه في التسرع وعدم إعطاء كل كلمة في البردية حقها من القراءة والتمعن. لقد تعلم درسًا قاسيًا بأن محاولة الحصول على ما ليس لك يجلب معه عواقب وخيمة، وأن الطمع والتسرع في الحكم على الأمور قد يؤديان إلى الهلاك والشقاء. وهكذا، أصبح سامي عبرة لكل من تسول له نفسه السعي وراء القوة المحرمة، وتذكرة بأن هناك قوى أكبر منا لا يمكن تحديها أو تجاوزها دون دفع الثمن غاليًا، وأنه من الضروري التدقيق في كل التفاصيل وعدم إهمال أي معلومة مهما بدت صغيرة أو غير مهمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى